الثلاثاء، 18 نوفمبر 2008

لتسكنوا إليها ...

عندما كتبتْ إليّ ما كتبتْ وقلتُ لها ما قلتُ في موضوع [ الطلاق !] , كتبتْ إليّ :

لاحرمني الله إياك , أقنعني كلامك :)
دائماً ما أقول لهن أن الرجل كالطفل , مهما بلغ مابلغ من قوة
ومنزلة وهيبة وصوت عال, إلا أنه يعيش بأعماقه طفلٌ صغير لو بحثتم
عنه..




فأقول لها :

"طفل كبير" , وبالفعل قد نرى بعض تصرفات الأزواج التي تشبه تصرفات الأطفال , لكنني لا أراهم أطفالاً على كل حال , وإنما أظن ذلك هو السكن :)

{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (الروم : 21)

ورد في معجم لسان العرب لابن منظور :

والسَّكَنُ: كل ما سَكَنْتَ إليه واطمأْنَنت به من أَهل وغيره، وربما قالت العرب السَّكَنُ لما يُسْكَنُ إليه؛ ومنه قوله تعالى: جعَلَ لكم الليلَ سَكَناً. والسَّكَنُ: المرأَة لأَنها يُسْكَنُ إليها.

هلاّ تأملنا معنى السكن !
وكيف يضفي على الحياة الزوجية أنسًا واطمئنانًا واستقرارًا وودًا ؟!
وكيف أنه لو فقد ذلك المعنى المقدّس -كما في كثير من زواجات هذه الأيام - ... لا يحتاج أن أكمل ! فالنتائج أوضح من أن تُوصف , والله المستعان .

وقد يرى البعض أن الزوج كـ طفل , لأنه يسكن ويطمئن إلى زوجته كما يطمئن الطفل إلى والديه , فنرى في فعل هذا شبهًا لفعل ذاك ...
قرأت مرة حادثة لطيفة , تقول الراوية : أن من عادتها أن تحصّن زوجها قبل أن يخرج , بالرغم من أنه يحصن نفسه بنفسه (أي تقرأ المعوذات والأذكار وتنفخ عليه) وكل مرة تقرأ الأذكار تنفخ على نفسها وعلى أطفالها وعلى والدهم كذلك , حدث ذات مرة أن قرأت الأذكار ونفخت على أطفالها ولم تنفخ على الزوج !

هل تعلمون ماهي ردّة فعله ؟

لقد "زعل" !

قد يقول البعض : كما الأطفال "يزعل" لأنها لم تنفخ عليه !

لكني أقول : هل كان سينزعج وسـ "يزعل" لو لم تكن تلك "النفخة" تعني له الكثير ؟!

:)

ولننظر إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه الوحي للمرة الأولى , هرع لمن ؟!

فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خديجة ، فقال : ( زملوني زملوني ) . فذكر الحديث .
الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 4957خلاصة الدرجة: [صحيح]

أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان يتكىء في حجري وأنا حائض ، ثم يقرأ القرآن .
الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 297خلاصة الدرجة: [صحيح]

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه ، يقول : ( أين أنا غدا ، أين أنا غدا ) . يريد يوم عائشة ، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء ، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها ، قالت عائشة : فمات في اليوم الذي يدور علي فيه في بيتي ، فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري وسحري ، وخالط ريقه ريقي . ثم قالت : دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ، ومعه سواك يستن به ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له : أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن ، فأعطانيه ، فقضمته ، ثم مضغته ، فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به ، وهو مستند إلى صدري .
الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 4450خلاصة الدرجة: [صحيح]

- بأبي هو وأمي - ترك الرجال كلهم وذهب إلى السيدة خديجة رضي الله عنها !
وكان يتكئ في حجر السيدة عائشة رضي الله عنها !
بل قبض - صلوات ربي وسلامه عليه - وهو بين نحرها وسحرها !

فمهما بلغ الرجل من قوة وحكمة ومنزلة , [ لا أقول يظل طفلاً ] بل يظل محتاجًا للأنس والراحة والاستقرار الذي يجده في تلك المرأة التي خلقها الله ليسكن إليها ... إذ إنها السكن فطرةً !

وعلى هذا أعرّف أنا الزواج بأنه : روحان يسكنان بعضهما , وبقية الأمور تأتي تبعًا ...

لكن هذا المعنى قلّما نجده في الزواج حاليًا :(
ولذا نرى كثير من المشاكل والخلافات وقضايا الطلاق وغيرها , ونتيجة منطقية لذلك ارتسمت في أذهاننا عن الزواج صورة سيئة , وأصبحنا نخشى خوضه أو المغامرة فيه ...

لعلي أختم بمقطع جميل من كلام المفكر الإسلامي سيد قطب في كتابه "في ظلال القرآن" :

ومن مجال الخلقة الأولى لنوع البشر ينتقل إلى مجال الحياة المشتركة بين جنسي البشر:
( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها , وجعل بينكم مودة ورحمة . إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون). .
والناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الأخر , وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصلة بين الجنسين ; وتدفع خطاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة . ولكنهم قلما يتذكرون يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجا , وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر , وجعلت في تلك الصلة سكنا للنفس والعصب , وراحة للجسم والقلب , واستقرارا للحياة والمعاش , وأنسا للأرواح والضمائر , واطمئنانا للرجل والمرأة على السواء .
والتعبيرالقرآني اللطيف الرفيق يصور هذه العلاقة تصويرا موحيا , وكأنما يلتقط الصورة من أعماق القلب وأغوار الحس: (لتسكنوا إليها). . (وجعل بينكم مودة ورحمة). .
( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون). . فيدركون حكمة الخالق في خلق كل من الجنسين علي نحو يجعله موافقا للآخر . ملبيا لحاجته الفطرية: نفسية وعقلية وجسدية . بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار ; ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء , والمودة والرحمة , لأن تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه تلبية رغائب كل منهما في الآخر , وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لإنشاء حياة جديدة تتمثل في جيل جديد . .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق