قالت مفكرة إسلامية -برد الله مضجعها- في كتابها "عبــ ق ــرة" :
وإن من أعجب العجب أن رأيتُ فتاة تقول عن حديثي مع نفسي ومع زنزانتي حالة نفسية "جنون" !
وما علمت تلك المتغطرسة أن ذلك [ قمة التعقل ] !
إذ لا أرى في هذا الكون أعقل من نفسي , ولا أعقل من زنزانتي فأحدّثها !
ولربما التبس على تلك المتغطرسة الأمر أن كانت ترى الزنزانة جمادًا لا حياة فيه , وهذا ليس عيبًا في الزنزانة بل فيها !
فكل ذرة في زنزانتي حياة متكاملة , قلب ينبض ومشاعر دفّاقة وعقلٌ واعٍ مفكر ...
وإني أجزم أن زنزانتي - وفيها مهجتي وسعادتي وأنسي وراحتي - أفضل من آلاف البشر حولي ...فهي تعقل حيث لا يعقلون , وتُريح حيث يزعجون , وتُحسن حيث يسيئون , وتتمثّل الحياة حيث يتمثّلون الموت !!!
فلا عجب أن كان حديثي إليها - وفي عروقها تدب الحياة هائنة - أحبّ إليّ من حديثي إلى غيرها من بشرٍ - أموات أو شبه أموات - !
وهل الحديث في الزنزانة إلا خلوة مع الروح وتأديب لها , ومحاسبة للنفس , وتخطيط للمستقبل , واسترجاع لأعذب الذكريات , ولملمة لأجمل الأمنيات , وابتهاج بأحلى الإنجازات , واستنهاض لأرقى الهمم , وتهدأة للقلب الشاكي الحزين , وتخفيف لوطأة الألم الدفين , والحياة بكل مرافئها هنا ... في الزانزنة !
ولو كان ذلك جنونًا حقًا , فوداعًا وداعًا أرض العاقلين وحيهلاً بالجنون كل حين =)
انتهى كلامها رحمها الله.