السبت، 28 مارس 2009

اليمامتان ...

[ اليمامتان ] مقالة من كتاب "وحي القلم" لـ مصطفى صادق الرافعي
كنت قد اشتريت الكتاب المشهور وحي القلم ذا المقالات المنبسطة في ثلاثة أجزاء تأتي متفرقة في بعض الطبعات و مجتمعة في أخرى
قرأت قدرًا لا بأس به من الكتاب نصفه أو أكثر
لكنني مللت القراءة فيه لـ طوله فانتقلت إلى غيره على نية الرجوع إليه بعد حين ...
كان ذلك قبل 3 سنوات أو أكثر
واليوم : رسالة شخصية لإحدى الصديقات المقربات في برنامج المرسال "الماسنجر" أعادتني إلى تلك المقالات البديعة وبالتحديد إلى مقالة [ اليمامتان ]
لقد كانت تلك المقالة من أوائل المقالات التي قرأتها من الكتاب , وها أنا أعيد اليوم قرأتها وكـأني بها قد ازدادت جمالاً ورونقًا مع الأيام
واهًا لك يا عمرو !
ما ضَر لو عرفْتَ (اليمامة الأخرى) ... !

القصة بـ اختصار تحكي أن (أرمانوسة) ابنة (المُقَوْقِسَ) عظيم القِبط في مِصر كان لديها وصيفة مُوَلَّدة تُسَمَى (ماريَة)، ذاتُ جمال يوناني أتمَته مصرُ ومَسَحَتْه بسحرها

هذه الوصيفة أرسلتها سيدتها برسالة إلى (عمرو بن العاص) قائد المسلمين إبان فتح مصر , فكان مما قالت لـ سيدتها في وصف القائد عمرو بعد تأديتها الرسالة :

... وكلما حاولتُ أن أتفرَسَ في وجهِه رأيتُ وجهَه لا يُفسّرُه إلا تكررُ النظر إليه..
وتضرَجتْ وجنتاها، فكان ذلك حديثاَ بينها وبين عينَيْ أرمانوسة. !.
وقالت هذه : كذلك كل لذة لا يفسرها للنفس إلا تكرارُها...
فغضت ماريةُ من طَرفِها وقالت: هو واللّه ما وَصَفْت، وإني ما ملأتُ عيني منه، وقد كدتُ أنكر أنه إنسان لما اعتراني من هيبته...
قالت أرمانوسة: من هَيبته أم عَينيه الدعجاوين...؟

ثُم إن مارية جعلت تذوي وشَحَبَ لونُها وبدأت تنظر النظرةَ التائهة: وبان عليها أثر الروح الظمْأى; وحاطها اليأسُ بجوّه الذي يُحرق الدم; وَبَدَت مجروحةَ المعاني; إذ كان يتقاتلُ في نفسها الشعوران العَدُوّان: شعورُ أنها عاشقة، وشعورُ أنها يائسة!

ووقعَ إليها أن عمرواً قد سار إلى الإسكندرية لقتال الروم، وشاع الخبر أنه لما أمر بفُسْطاطه أن يُقَوّضَ أصابوا يمامةً قد باضت في أعلاه، فأخبروه فتال: "قد تَحَرَّمَتْ في جوارنا، أقِرواً الفسطاطَ حتى تطيرَ فِرَاخُها". فأقَرّوه!

ولم يمضِ غيرُ طويل حتى قضت ماريةُ نحبها، وحَفِظت عنها أرمانوسةُ هذا الشعر الذي أسمته: نشيد اليمامة.

على فُسطاطِ الأمير يمامة جاثمة تَحْضن بَيْضَها.
تركها الأميرُ تَصنعُ الحياة، وذهب هو يَصنعُ الموت!
هي كأسعد امرأة; تَرَى وتلمسُ أحلامَها.
إن سعادةَ المرأة أولُها وآخِرُها بعضُ حقائق صغيرة كهذا البيض.


على فسطاط الأمير يمامةْ جاثمةٌ تحضن بيضَها.
لو سُئِلَتْ عن هذا البيض لقالت: هذا كَنزي.
هي كأهنأ امرأة، مَلَكَت مِلكها من الحياةِ ولم تفتقِر.
هل أُكلف الوجودَ شيئاً كثيراَ إذا كلفتُهُ رجُلاً واحداً أحبه!

على فسطاط الأمير يمامة جاثمة تحضن بيضَها.
الشمسُ والقمرُ والنجوم، كلُها أصغرُ في عينها من هذا البيضِ.
هي كأرق امرأة; عرفت الرقَّةَ مرتين: في الحب، والولادة.
هل أُكلف الوجود شيئاً كثيراً إذا أردتُ أن أكون كهذه اليمامة!

على فسطاط الأمير يمامة جاثمة تحضن بيضَها.
تقول اليمامة: إن الوجودَ يحب أن يُرى بلونين في عين الأنثى;
مرةً حبيباً كبيراً في رَجُلها، ومرة حبيباً صغيراَ في أولادها.
كلُّ شيء خاضع لقانونه; والأنثى لا تريد أن تخضع إلا لقانونها.

أيتُها اليمامة، لم تعرفي الأميرَ وتركَ لكِ فسطاطَه!
هكذا الحظ: عدل مضاعفٌ في ناحية، وظلم مضاعف في ناحية أخرى.
احمدي اللهَ أيتُها اليمامة، أنْ ليس عندكم لغات وأديان، عندكم فقط: الحب والطبيعةُ و الحياة

على فسطاط الأمير يمامةٌ جاثمة تحضن بيضَها
يمامةٌ سعيدة , ستكون في التاريخ كهدهد سليمان ,
نُسِبَ الهدهدُ إلى سليمان , وستُنسب اليمامةُ إلى عمرو
واهًا لك يا عمرو ! ما ضَر لو عرفْتَ (اليمامة الأخرى) ... !


لقراءة المقالة كاملة من هنا :
طابت أوقاتكم ~

هناك تعليقان (2):

  1. عزيزتي الغالية مفكرة إسلامية:

    فخري بكِ اليوم قد تجاوز أبعاد الحدود..

    زرتُ زنزانتك اليوم فقرأتُ ماسطرتيه من فيضك هنا وهناك..

    لأرسل لكِ سلامٌ من قلبٍ صادق أيقن منكِ أن هناك من يفهم الحياة بصدق, فلازالت إذن بخير..

    الحمد لله الذي شرفني بمعرفتك وإن كان متأخراً, فأمثالك أحتاج معهم إلى جلساتٍ وجلسات في مكانٍ جمعنا هناك.. عليّ أنهل من فيضهم وأتعلم مما أعطاهم الله وخصّهم به..

    حسبي أنك تعلمين أنني أفخر بمعرفتك..

    أطيب التحايا..
    Majd

    ردحذف
  2. مجد أيتها الفاضلة :

    غفرالله لك !
    لقد ألبستِ أختك ثوبًا فضفاضًا لا طاقة لها بجرّه !

    " اللهم اجعلني خيرًا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون "


    شكرًا لأنك هنا*

    ردحذف